كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فزعموا أن رسول الله قال: من أطعمهم أمس؟ فسميا رجلا من القوم.
قال: كم نحر لهم؟ قالا: عشر جزائر.
قال: فمن أطعمهم أول أمس؟ فسميا رجلا آخر من القوم.
قال: كم نحر لهم؟ قالا: تسعا.
فزعموا أن رسول الله قال: القوم ما بين التسعمائة والألف يعتبر ذلك بتسع جزائر ينحرونها يوما وعشر ينحرونها يوما.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشيروا علي في المسير؟ فقام الحباب بن المنذر أحد بني سلمة فقال: يا رسول الله أنا عالم بها وبقلبها إن رأيت أن تسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة فتنزل إليها ونسبق القوم إليها ونغور ما سواها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيروا فإن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين أنها لكم فوقع في قلوب ناس كثير الخوف وكان فيهم من تخاذل من تخويف الشيطان فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مسابقين إلى الماء وسار المشركون سراعا يريدون الماء فأنزل الله عليهم في تلك الليلة مطرا واحدا فكان على المشركين بلاء شديدا منعهم أن يسيروا وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبد لهم المسير والمنزل وكانت بطحاء فسبق المسلمون إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل فاقتحم القوم في القليب فما حوها حتى كثر ماؤها وصنعوا حوضا عظيما ثم غوروا ما سواه من المياه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه مصارعهم إن شاء الله بالغداة.
وأنزل الله: {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام} [الأنفال الآية: 11].
ثم صف رسول الله على الحياض فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم إني أسألك ما وعدتني- ورسول الله صلى الله عليه وسلم ممسك بعضد أبي بكر يقول: اللهم إني أسألك ما وعدتني- فقال أبو بكر: أبشر فوالذي نفسي بيده لنيجزن الله لك ما وعدك.
فاستنصر المسلمون الله واستعانوه فاستجاب الله لنبيه وللمسلمين وأقبل المشكون ومعهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءهم قد أقبلوا لنصرهم وأنه لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم لما أخبرهم من مسير بني كنانة وأنزل الله: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس} [الأنفال الآية 47] هذه الآية والتي بعدها.
وقال رجال من المشركين لما رأوا قلة من مع محمد صلى الله عليه وسلم: غر هؤلاء دينهم.
فأنزل الله: {ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم} الطلاق الآية 3.
وأقبل المشركون حتى نزلوا وتعبوا للقتال والشيطان معهم لا يفارقهم فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال له: هل لك أن تكون سيد قريش ما عشت؟ قال عتبة فأفعل ماذا؟ قال: تجير بين الناس وتحمل دم ابن الحضرمي وبما أصاب محمد من تلك العير فإنهم لا يطلبون من محمد غير هذه العير ودم هذا الرجل.
قال عتبة: نعم قد فعلت ونعما قلت ونعما دعوت إليه فاسع في عشيرتك فأنا أتحمل بها.
فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك يدعوهم فيه وركب عتبة جملا له فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه فقال: يا قوم أطيعوني فإنكم لا تطلبون عندهم غير دم ابن الحضرمي وما أصابوا من عيركم تلك وأنا أتحمل بوفاء ذلك ودعوا هذا الرجل فإن كان كاذبا ولي قتله غيركم من العرب فإن فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أبيه وأخيه أو ابن أخيه أو ابن عمه فيورث ذلك فيهم احنا وضغائن وإن كان هذا الرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم وإن كان نبيا لم تقتلون النبي فتيسئوا به ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادهم ولا آمن أن يكون لكم الدبرة عليهم فحسده أبو جهل على مقالته وأبى الله إلا أن ينفذ أمره وعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي- وهو أخو المقتول- فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس وقد تحمل بدية أخيك يزعم أنك قابلها أفلا تسحيون من ذلك أن تقبلوا الدية؟ فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو ينظر إلى عتبة: إن يكن عند أحد من القوم خير فهو عند صاحب الجمل الأحمر وإن يطيعوه يرشدوا.
فلما حرض أبو جهل قريشا على القتال أمر النساء يعولن عمر.
فقمن يصحن: واعمراه واعمراه.
تحريضا على القتال فاجتمعت قريش على القتال فقال عتبة لأبي جهل: سيعلم اليوم أي الأمرين أرشد.
وأخذت قريش مصاف هذا القتال وقالوا لعمير بن وهب: اركب فاحذر محمدا وأصحابه.
فقعد عمير على فرسه فأطاف برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم رجع إلى المشركين فقال: حذرتهم بثلثمائة مقاتل زادوا شيئا أو نقصوا شيئا وحذرت سبعين بعيرا ونحو ذلك ولكن أنظروني حتى أنظر هل لهم مدد أو كمين فأطاف حولهم وبعثوا خيلهم معه فأطافوا حولهم ثم رجعوا فقالوا: لا مدد لهم ولا كمين وإنما هم أكلة جزور وقالوا لعمير حرش بين القوم فحمل عمير على الصف بمائة فارس.
واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: لا تقاتلوا حتى أؤذنكم وغشيه نوم فغلبه فلما نظر بعض القوم إلى بعض جعل أبو بكر يقول: يا رسول الله قد دنا القوم ونالوا منا! فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراه الله إياهم في منامه قليلا وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى طمع بعض القوم في بعض ولو أراه عددا كثيرا لفشلوا وتنازعوا في الأمر كما قال الله وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فوعظهم وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد اليوم.
فقام عمير بن الحمام من عجين كان يعجنه لأصحابه حين سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي الجنة إن قتلت؟ قال: نعم.
فشد على أعداء الله مكانه فاستشهد وكان أول قتيل قتل ثم أقبل الأسود بن عبد الأسد المخزومي يحلف بآلهته ليشربن من الحوض الذي صنع محمد وليهدمنه فلما دنا من الحوض لقيه حمزة بن عبد المطلب فضرب رجله فقطعها فأقبل يحبو حتى وقع في جوف الحوض وأتبعه حمزة حتى قتله ثم نزل عتبة بن ربيعة عن جمله ونادى: هل من مبارز ولحقه أخوه شيبة والوليد ابنه فناديا يسألان المبارزة فقام إليهم ثلاثة من الأنصار فاستحيا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فناداهم أن ارجعوا إلى مصافكم وليقم إليهم بنو عمهم.
فقام حمزة وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب فقتل حمزة عتبة وقتل عبيدة شيبة وقتل علي الوليد وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنقذه حمزة وعلي فحمل حتى توفي بالصفراء وعند ذلك نذرت هند بنت عتبة لتأكلن من كبد حمزة إن قدرت عليها فكان قتل هؤلاء النفر قبل إلتقاء الجمعين.
وعج المسلمون إلى الله يسألونه النصر حين رأوا القتال قد نشب ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إلى الله يسأله ما وعده ويسأله النصر ويقول: اللهم إن ظهر على هذه العصابة ظهر الشرك ولم يقم لك دين وأبو بكر يقول: يا رسول الله والذي نفسي بيده لينصرنك الله وليبيضن وجهك فأنزل الله جندا في أكناف العدو فقال رسول الله: قد أنزل الله نصره: ونزلت الملائكة عليهم السلام أبشر يا أبا بكر فإني قد رأيت جبريل معتجرا يقود فرسا بين السماء والأرض فلما هبط إلى الأرض جلس عليها فتغيب عني ساعة ثم رأيت على شفته غبارا.
وقال أبو جهل: اللهم انصر خير الدينين اللهم ديننا القديم ودين محمد الحديث ونكص الشيطان على عقبيه حين رأى الملائكة عليهم السلام وتبرأ من نصرة أصحابه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه من الحصباء فرمى بها وجوه المشركين فجعل الله تلك الحصباء عظيما شأنها لم يترك من المشركين رجلا إلا ملأت عينيه والملائكة عليهم السلام يقتلونهم ويأسرونهم ويجدون النفر كل رجل منهم مكبا على وجهه لا يدري أن يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه.
ورجعت قريش إلى مكة منهزمين مغلوبين وأذل الله بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين فلم يبق بالمدينة منافق ولا يهودي إلا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر وكان ذلك يوم الفرقان يوم فرق الله بين الشرك والإيمان وقالت اليهود تيقنا: أنه النبي الذي نجد نعته في التوراة والله لا يرفع راية بعد اليوم إلا ظهرت.
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فدخل من ثنية الوداع ونزل القرآن يعرفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون هذه الآية وثلاث آيات معها وقال فيما استجاب للرسول للمؤمنين {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} [الأنفال الآية 9].
وأخرى معها وأنزل فيما غشيهم من النعاس {إذ يغشيكم النعاس} [الأنفال الآية 11] الآية.
ثم أخبرهم بما أوحى إلى الملائكة من نصرهم فقال: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم} [الأنفال الآية 12] الآية والتي بعدها.
وأنزل في قتل المشركين والقبضة التي رمى بها رسول الله: {فلم تقلتوهم ولكن الله قتلهم} [الأنفال الآية 17] الآية والتي بعدها.
وأنزل في استفتاحهم {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} [الأنفال الآية 19] ثم أنزل: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله} في سبع آيات منها وأنزل في منازلهم: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا} [الأنفال الآية 42] الآية والتي بعدها وأنزل فيما تكلم به من رأى قلة المسلمين {غر هؤلاء دينهم} [الأنفال الآية 49] الآية وأنزل في قتلى المشركين ومن اتبعهم {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا} [الأنفال الآية 50] الآية وثمان آيات معها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين} قال أقبلت عير أهل مكة من الشام فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد العير، فبلغ أهل مكة ذلك فخرجوا فأسرعوا السير إليها لكي لا يغلب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الله عز وجل وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأخصر نفرًا، فلما سبقت العير وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس بينهم، يوسوسهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون مجنبين، وأمطر الله عليهم مطرًا شديدًا فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب الله عنهم رجز الشيطان واشف الرمل من إصابة المطر، ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم، وأمد الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة عليهم السلام، فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مجنبة، وجاء إبليس في جند معه راية في صورة رجال من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين {لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} [الأنفال: 48] فلما اصطف القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره. ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: يا رب إن تهلك هذه العصابة في الأرض فلن تعبد في الأرض أبدًا. فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب فأرم به وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده ثم ولى مدبرًا وشيعته فقال الرجل: يا سراقة أتزعم أنك لنا جار؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله والله شديد العقاب، فذلك حين رأى الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} قال: الطائفتان احداهما أبو سفيان أقبل بالعير من الشام، والطائفة الأخرى أبو جهل بن هشام معه نفر من قريش، فكره المسلمون الشوكة والقتال وأحبوا أن يلتقوا العير، وأراد الله ما أراد.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} قال: هي عير أبي سفيان، ودّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إن العير كانت لهم وإن القتال صرف عنهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {ويقطع دابر الكافرين} أي يستأصلهم.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر: عليك العير ليس دونها شيء، فناداه العباس رضي الله عنه وهو في وثاقه أسير: أنه لا يصلح لك. قال: ولم؟ قال: لأن الله إنما وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك. قال: صدقت. اهـ.